gigi «.¸¸.•°°مشرف قسم·.¸.•°®»
عدد الرسائل : 10739
تاريخ التسجيل : 13/08/2008
| موضوع: من قتل زهرتي البنفسجيه !!!! الجمعة نوفمبر 20, 2009 7:36 pm | |
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته من قتل زهرتي البنفسجيه؟؟سحرته حين لمحها عقب هطول مطر غزير أواخر آذار، لم تزل عشبه صغيرة غضة أنبتتها فسحة ترابية تكاد تكون غير مرئية حبلى بالحياة بين حائط الاسمنت وساحة الاسمنت القذرة خلف العمارة التي يركن عربته فيها.
لونها البنفسجي كاد ينطق بجمال بحثت عيناه عنه دون كلل في كل ما حوله ، في سوق الفقراء والطريق المؤدي إليها، في القبو الأظلم ليل نهار أسفل العمارة حيث يسكن مع والدته وشقيقاته الثلاث. زغبها الوردي اللون أشعره بترف لم ينعم به أبدا،حين يستلقي على بطانية الجيش الخشنة ،اخرما تبقى من أبيه شهيد الحرب التي لم تتوقف مذ كان في المهد، تتسلل من خللها برودة البلاط إليه ليالي الشتاء،تنفذ إلى عظامه كبرودة قبر يتوعده كل ليلة. القرص المستدير داخلها بلونه الأصفر الصارخ وزغاباته ذات الرؤوس المدببة المتجهة إلى أعلى زرع في داخله كراهية بالغة لعالم الألوان القاتمة التي تحيط بأجزاء حياته الدقيقة، ظلام القبو، بضاعته الرخيصة الكالحة، ملابسه التي عليها أن تدوم أكثر مما يجب حتى ينسى ألوانها الأصلية،أثواب شقيقاته المعتمة التي يحصلون عليها من نساء كبيرات في السن أو من أقرباء الأموات لتجلس أمه على بصيص ضوء النهار المتسلل من نافذة عوراء تصلحها وتجعلها مناسبة لأجسادهن الضئيلة الخالية من علامات الأنوثة. أوراقها الخضراء الندية الناعمة جعلت خياله يحلق في رياض وحدائق غناء بصحبة عصافير ملونة تطير وتحط صاخبة تضج بالحياة. ما الذي لا يجعله يحتفي كل هذا الاحتفاء بزهرة يتيمه يتم حياته وفرحته؟ حين أطلعهم على سره الجميل،وبخجل شديد كأنه يتحدث عن عشيقته،اقسموا أن يأتوا بعرباتهم بعد ساعات العمل المضنية في السوق حتى منبت هذه الأعجوبة،كانوا خمسة أيتام بأعمار متقاربة يتشهون مرأى الألوان ولو في حلم أو كذبة أجاد بها عليهم صديقهم السادس ذو العشر سنوات. تقدمهم بفخر،كأنه يسوقهم نحو خزائن من ذهب فجعل يطيل بالشرح ويسهب،رافعا صوته قدر ما يستطيع كي يتغلب على جلبة عرباتهم الخشبية. ربما كانت أول زهرة حقيقة يشاهدونها عن قرب، حابسين أنفاسهم جالسين القرفصاء، حريصين أن لا يؤذوا رقتها التي لم يروا لها مثيلا في عالمهم الناصل الألوان. نحو أي جنان سماوية حلقت أرواحهم الغضة ثملين بجمال جنتهم الأرضية المصغرة؟ كم دقيقة مرت وهم يحصون محاسنها ، كم من الوقت مكثوا قبل أن تتحول إلى ذرات بنفسجية غير مرئية تختلط بزهورهم الحمراء القانية؟ كيف تشوفوا إليها حين طارت عرباتهم ببضاعتها الرخيصة إلى الفضاء حول ركام العمارة لتهبط كشظايا صغيرة تحمل الموت لكل من صادفها؟ لم تكن زهرتهم واسعة الأكمام بما يكفي لتغطي بقاياهم الدامية ونثار اللحم على حائط الاسمنت وأرضية الاسمنت وأنقاض العمارة القديمة.
| |
|