الصبي من الأدب التركيالاستاذ جنيد السعاوي ترجمة اورخان محمد عليلم أكن أستطع تحويل بصري عن الصبي الماشي أمامي ... أو
بالأصح الذي كان يحاول المشي ، إذ كان يرفع عكازيته بصعوبة بالغة ويميل
بجسمه ( الذي انشل قسمه السفلي ) ذات اليمين وذات الشمال ... كان عمره
يتراوح بين 13- 14 عاماً... وكانت الجهود التي يبذلها للمشي قد جعلته جلداً
على عظم .
كنت أتتبعه
بنظري كشخص مسحور ، وفجأة رايته يسقط ، فقد تزحلقت إحدى عكازتيه من حافة
الرصيف فسقط على الأرض .
أسرعت إلية
لأعينه على النهوض ... كان يبكي بصمت ... ربت على كتفه وقلت له :
- لا تهتم
يا بني ولا تحزن ... مثل هذه الأمور تحدث .
قال :
-انا لست
حزيناً .. عادة لا احزن كثيراً ؛
مسحت دموعه بيدي قائلاً :
- ولكنك
تبكي يا بني! ...
قال:
- لقد
آلمتني ذراعي جداً ... لهذا أبكي .
حاولت
تشمير قميصه على زراعه لأرى مبلغ إصابتها فصعقت ... أواه يا رب ! ... كانت
ذراعه مقطوعة من الرسغ ، لذا كانت إحدى العكازتين مصنوعة بشكل خاص .
وعندما رأى
أنني أبصرت ذراعه قال :
-ليس سقوطي
هذا بشيء ... عندما سقطت في المرة الماضية بقيت ذراعي تحت السيارة .
للحظة لم أدر ماذا أقول له ... ثم قلت له مواسياً :
- لا تحزن
يا بني! ... كان من الممكن أن تموت آنذاك .
ابتسم
ابتسامة خفيفة وهو يقول :
- انا لست
حزيناً ... في العادة لا احزن كثيراً .
قلت :
- لقد سبق
وان قلت الشيء نفسه ... لماذا تتحدث هكذا ؟
عندما وقف
مستنداً إلى عكازتيه قال :
-ذلك لأنني
أؤمن بالله ... ألا سيملك من يؤمن به جسماً أبديا في الدار الآخرة ؟ ...
جسماً صحيحاً وذا عافية ؟
رباه ! ...
ماذا كنت اسمع !!
كنت أشاهد
لأول مرة مثل هذا الإيمان الكبير في مثل هذا القلب الصغير ... أحسست أن
جسمي يرتجف أكثر من جسمه .
شكرني
وابتعد ..
رمقته
بنظري وهو يبتعد عني ... وتساءلت في نفسي دون وعي :
ترى من منا
هو الأكثر سعادة ؟ هو أم أنا ؟