بسم الله الرحمن الرحيم
يا بنتي
لو دون المرء الأمور المهمة في حياته فسيجد قائمة طويلة ، لكنه حين يعمد إلى ترتيبها حسب الأولويات فسيأتي في رأس القائمة أولاده و ذريته فهم أغلى من المال ، من الراحة ، من رغباته و شهواته ، و مطالبه في الدنيا و الدليل على ذلك يا بنتي أنه حين يمرض أحد أولاده مرضاً مزعجاً فهو يسهر و يسافر هنا و هناك و يدفع من أمواله ما يدفع بل ربما اقترض و استدان ، كل ذلك من أجل و لده ، لذلك فهو حين يخاطب و لده و يناصحه فسوف يكون صادقاً غاية الصدق و مخلصاً غاية الإخلاص و قديما ً قيل " الرائد لا يكذب أهله " .
يا بنتي
لقد صدمت اليوم بما رأيته من واقع الفتاة المسلمة ، تعيش في دوامة من الصراع ، فتسمع تارة ذلك الصوت النشاز الذي يدعوها إلى الإرتكاس و التخلي عن كل معاني العفة ، و تسمع أخرى الصوت الصادق يهز من داخلها هزاً عنيفاً ليقول لها رويدك فهو طريق الغواية و بوابة الهلاك . و تتصارع هذه الأصوات أمام سمعها و تتموج هذه الأفكار في خاطرها .
يا بنتي
لنكن صريحين صراحة منضبطة بضوابط الشرع ، و واضحين وضوحاً محاطاً بسياج الحياء و العفة لتكون خطوة للتصحيح و نقلة للإصلاح .
بعيداً عن العاطفة و عن سرابها الخادع ، لو كانت هذه الفتاة التي تقيم هذه العلاقة المحرمة منطقية مع نفسها و طرحت هذا السؤال ، ماذا يريد هذا الشاب ؟ ما الذي يدفعه إلى هذه العلاقة ؟ بل ماذا يقول لزملائه حين يلتقي بهم ؟ و بأي لغة يتحدثون عني ؟
إنني أجزم يا بنتي أنها حين تزيح وهم العاطفة عن تفكيرها فستقول و بملء صوتها إن مراده هو الشهوة و الشهوة الحرام ليس إلا ، إذن ألا تخشين الخيانة ؟ أترين هذا أهلاً للثقة ؟ شاب خاطر لأجل بناء علاقة محرمة ، شاب لا يحميه دين أو خلق أو وفاء ، شاب لا يدفعه إلا الشهوة أولاً و آخراً ، أتأمنه على نفسها بعد ذلك ؟ لقد خان ربه و دينه و أمته و لن تكون هذه الفتاة أعز ما لديه ، و ما أسرع ما يحقق مقصوده لتبقى لا سمح الله صريعة الأسى و الحزن و الندم .
و حين يخلو هؤلاء الشباب التائهون يا بنتي بأنفسهم تعلو ضحكاتهم بتلك التي خدعوها ، أو التي ينطلي عليها الوعد الكاذب و الأحاديث المعسولة .
يا بنتي
إن الله حكيم عليم ما خلق شيء إلا لحكمة ، علم ابن آدم أو جهل . لقد شاء الله بحكمته أن تكون المرأة ذات عاطفة جياشة - تتجاوب مع ما يثيرها لتتفجر رصيداً هائلاً من المشاعر التي تصنع سلوكها أو توجهه . و حين تصاب الفتاة بالتعلق بفلان من الناس قرب أو بعد فأي هيام سيبلغ بها ؟ فتاة تعشق رجلاً فتقبل شاشة التلفاز حين ترى صورته ، و أخرى تعشق حديثه و صوته فتنتظر على أحر من الجمر لتشنف سمعها بأحاديثه ، و حين تغيب عن ناظرها صورته ، أو تفقد أذنها صوته يرتفع مؤشر القلق لديها ، و يتعالى انزعاجها فقد غدى هو البلسم الشافي .
يا بنتي
بعيداً عن تحريم ذلك و عما فيه من مخالفة شرعية ماذا بقي في قلب هذه الفتاة من حب الله و رسوله و حب الصالحين بحب الله ( ماذا بقي لتلاوة كتاب الله و التلذذ به ؟ ) أين تلك التي تنتظر موعد المكالمة على أحر من الجمر في وقت النزول الألهي حين يبقى ثلث الليل الآخر !؟ أينها عن الانطراح بين يدي الله و التلذذ بمناجاته ؟ بل و أينها عن مصالح دنياها فهي على أتم الاستعداد لأن تتخلف عن الدراسة من أجل اللقاء به ؟ و أن تهمل شؤون منزلها من أجله .
إن هذا الركام الهائل من العواطف المهدرة ليتدفق فيغرق كل مشاعر الخير و الوفاء للوالدين الذين لم يعد لهما في القلب مكانه ، و يقضي على كل مشاعر الحب و العاطفة لشريك العمر الزوج الذي تسكن إليه و يسكن إليها . و بعد حين ترزق أبناء تتطلع لبرهم فلن تجد رصيداً من العواطف تصرفه لهم فينشؤون نشأة شاذة و يتربون تربية نشازاً .
إن العاقل حين يملك المال فإنه يكون رشيداً في التصرف فيه حتى لا يفقده حين يحتاجه ، فما بالها تهدر هذه العواطف و المشاعر فتصرفها في غير مصرفها و هي لا تقارن بالمال ، و لا تقاس بالدنيا ؟
يا بنتي
لقد خص الله سبحانه و تعالى الفتاة بهذه العاطفة و الحنان لحكم يريدها الله سبحانه و منها أن تبقى هذه العاطفة رصيداً يمد الحياة الزوجية بعد ذلك بماء الحياة و الاستقرار و الطمأنينة ، رصيداً يدر على الأبناء و الأولاد الصالحين حتى ينشؤوا نشأة صالحة . فلم تهدر هذه العواطف لتجني صاحبتها وحدها الشقاء في الدنيا و تضع يدها على قلبها خوفاً من الفضيحة في النهاية ؟
يا بنتي
حين تعودين إلى المنزل و تستلقين على الفراش تفضلي على نفسك بدقائق فاسترجعي صورة الفتاة الصالحة القانتة ، البعيدة عن مواطن الريبة ، و قارني بينها و بين الفتاة الأخرى التي أصابها من لوثة العلاقات المحرمة ما أصابها ، بالله عليك أيهما أهنأ عيشاً و أكثر استقراراً ؟ أيهما أولى بصفات المدح و الثناء تلك التي تنصر على نفسها و رغبتها و تستعلي على شهواتها ، و هي تعاني من الفراغ كما يعاني غيرها ، و تشكو من تأجج الشهوة كم يشتكين . أم الأخرى التي تنهار أمام شهوتها ؟ تساؤل يطرح نفسه و يفرضه الواقع ، لماذا هذه الفتاة تنجح و تلك لا تنجح ؟ لماذا تجتاز هذه العقبات و تنهزم تلك امامها ؟
يا بنتي
لقد عجبت أشد العجب عندما رأيت فتاة الإسلام تسير بلهاث مستمر وراء ما يريده الأعداء ، فتساير الموضة ، و تتمرد على حجابها و حيائها ، و ها نحن نرى كل يوم صورة جديدة و لوناً جديداً من ألوان هذا التمرد ، إنها يا بنتي تتحايل على الحجاب بحيل مكشوفة ، لست بحاجة أن أسوق لك فتاوى حول ما تقع فيه كثير من الفتيات ، لكن المؤمن الحق يا بنتي يخاف الله و يتقيه و رائده قول الرسول صلى الله عليه و سلم " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " و هو يدرك أن الإلتفاف على الأحكام و الاحتيال عليها لن ينفعه يوم يلقى الله العليم بما تخفي الصدور .
يا بنتي
ها أنت تتطلعين في المرآة فترين صورة وجه وضيء يتدفق حيوية و شباباً ،. ها أنت تغدين و تروحين و أنت تتمتعين بوافر الصحة و قوة الشباب . و لكن ألم تزوري جدتك يوماً ، أو تري عجوزاً قد رق عظمها ، و خارت قواها ؟! لقد كانت يوماً من الدهر شابة مثلك ، و زهرة كزهرتك ، و لكن سرعان ما مضت السنون و انقضت الأيام فاندفنت زهرة الشباب تحت ركام الشيخوخة و مضت أيام الصبوة لتبقى صورة منقوشة في الذاكرة . و ها أنت يا بنتي على الطريق ، و ما ترينه من صورة شاحبة و شيخوخة ستصيرين إليها بعد سنوات إذاً فإياك أن تهدري وقت الشباب و زهرته ، و تضيعي الحيوية فيما لا يعود عليك إلا بالندم و سوء العاقبة .
يا بنتي
لو فكر أهل الشهوات و المتاع الزائل في الدنيا بحقيقة مصيرهم لأعادوا النظر كثيراً في منطلقاتهم ، تصوري يا بنتي من حصل كل متاع الدنيا و ذاق لذائذها و لم ير يوماً من الأيام ما يكدره . إن كل هذا سينساه لو غمس غمسة واحدة في عذاب النار حمانا الله و إياك .
و الآخر الذي عاش من الحياة أشقاها سينسى هذا الشقاء لو غمس غمسة واحدة في النعيم ، عن انس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال : يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط ؟ هل مر بك نعيم قط فيقول لا و الله يا رب و يؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط ؟ هل مر بك شدة قط فيقول لا و الله يا رب ما مر بي بؤس قط و لا رأيت شدة قط " رواه مسلم
و أخيراً أسأل الله العزيز القدير أن ينفعك بهذه الرسالة و صلى الله على نبينا محمد ،،،