عاجلاً أم آجلاً، ستواجه الأُم مسألة قد يراها البعض بسيطة، ولكنّها على درجة عالية من الأهمية، وهي الخروج مع طفلها إلى الأماكن العامّة، حيث يتوجّب عليها الإختلاط بأشخاص لا يعرفهم، كباراً كانوا أم صغاراً، وحتى لا تتحوّل هذه التجربة إلى كابوس، على الأُم البدء مبكراً في تعليم طفلها قواعد التصرُّف والسلوك في الأماكن العامّة.
إنّ اصطحاب الأُم طفلها الصغير إلى العديد من الأماكن خارج المنزل، مثل السوق والمتنزه، وزيارة بعض الأهل والأصدقاء.. إلخ، يعتبر فكرة صائبة وطريقة ممتازة لتحفز فضول الطفل وتنمية مهاراته الإجتماعية في التواصل مع الآخرين، ولتعلمه الأخلاق الحميدة وتوسيع آفاقه ومداركه.
ومن هنا، يجب أن يحترم الأهل اهتمامات أطفالهم وخلق أنشطة جديدة تتناسب وقدراتهم، كما يجب الخروج معهم، إلى الطبيعة كلما كان ذلك ممكناً. وبما أنّ الطفل الصغير يكون عادة فضولياً ومهتماً بكل ما تفعله الأُم، فلا مانع من اصطحابه معها إلى مكان عملها، إذا كان ذلك ممكناً، وتعرُّفه إلى زملائها وزميلاتها في العمل.
كل تجربة جديدة في حياة الطفل تعتبر أمراً غير عادي بالنسبة إليه. فعالمه مليء بـ"أول مرة": أوّل مرة يذهب إلى السوق، أوّل مرة يركب دراجة، أوّل مرة يزور متحفاً أو حديقة.. إلخ، حتى لو سبق له أن زار بعض هذه الأماكن، إلا أن ذاكرته في المرة الثانية تسمح له بتجميع الخبرات والإحتفاظ بها لنفسه.
- من المنزل إلى الخارج:
عند اختيار الأنشطة لطفلك، حاولي أن تكون متلائمة مع عمره وشخصيته. ويمكنك الإستعانة بالبرامج المخصصة للأطفال. ابحثي دائماً عن كل ما هو جديد ويتناسب مع رغبات طفلك، على ألا تهملي الجوانب الأخرى للأنشطة، وهي تعريفه دائماً إلى أشخاص جدد وأماكن جديدة. وحاولي أن تكون الأنشطة مختصرة ومركزة.
ومع أن مروحة اهتمام الطفل الصغير هي في نمو دائم، لكنّها تبقى محدودة. لذا، تجنّبي الأنشطة التي تستغرق أكثر من ساعة. فالطفل الذي يمضي ساعة وهو مسرور في الإستماع إلى قصة ممتعة، قد يتحول إلى طفل نكد سيِّئ الطباع إذا حاولت الأُم الإستمرار في القراءة لفترة أخرى. كما يجب أن تكون الأنشطة التي يمارسها الطفل في الخارج هي للمتعة وليست لإختبار قدراته على التحمّل. ومهما يكن نوع النشاط، يجب المغادرة إلى البيت في وقت مبكر، خصوصاً إذا بدا أن طفلك يشعر بالتعب أو القلق، أو إذا كنت في زيارة إلى الأهل أو الأصدقاء، خوفاً من التسبب في إزعاجهم.
مع الوقت، سيصبح في إمكان الطفل نقل أخلاقه الحميدة التي تعلّمها في المنزل إلى العالم الخارجي. ولكن يجب تذكيره دائماً بقواعد السلوك الجيِّد، في كل مرة تصحبينه معك إلى الخارج: تكلم بصوت منخفض، لا تلمس شيئاً من دون إذن، تذكر دائماً أن تقول "شكراً.." ومن "فضلك"..إلخ.
يجب تحضير الطفل مسبقاً قبل مواجهة وضع جديد أو توقعات جديدة. فإذا فكرت في اصطحاب طفلك إلى السينما مثلاً، حضّريه للموضوع قبل الذهاب. قولي له مثلاً إن عليه أن يجلس هادئاً خلال عرض الفيلم، وأن يتكلّم بصوت منخفض في حال احتاج إلى شيء، وأن لا يركل برجليه المقعد الذي أمامه حتى لا يزعج الشخص الذي يجلس عليه.. إلخ. أما إذا كان عليك الإنتظار طويلاً أمام شبّاك التذاكر.. فحضِّريه لمثل هذا التوقع، حتى لا تفقد حماسته لمشاهدة الفيلم.
وعندما يبلغ الطفل سن الرابعة من عمره، يصبح في حاجة إلى أن يتعلّم كيف يتصرّف في حال تاه منك وسط الزحام في مكان عام. قولي له مثلاً إنّ عليه البقاء واقفاً في مكانه حتى يسهل إيجاده. أما إذا كان هناك ازدحام شديد في الشارع، أفهميه أنّ عليه محاولة إيجاد مكان آمن وأقل ازدحاماً والبقاء فيه إلى حين وصولك أنت أو أي شخص يشارك في البحث عنه.
يمكنك أيضاً أن تُعلِّميه كيف يلجأ إلى رجال الأمن في الشارع لطلب المساعدة، وإلى البائعين أو المسؤولين عن الأمن في المحال و"السوبرماركت"، أو إلى كبار السن إن وجدوا.. إلخ، وذلك بتعريفه بهذه الشخصيات أثناء مقابلتهم مع طفلك من الأشخاص السيِّئين في الشارع، لأن ذلك قد يسبِّب له الإنهيار التام في حال غيابك عن نظره للحظة واحدة. أمّا عندما يعرف الطفل الخطوات التي يجب اتباعها في حال ضياعه، فإن احتمال إصابته بالذعر سيتضاءل، وقد ينتفي كلّياً، وإلا، وهذا أسوأ ما في الأمر، سيصبح فريسة للخوف من الغرباء.
- تأديب الطفل في الأماكن العامّة:
إذا ثار ابنك غضباً في وجه شخص غريب، أو أساء التصرف بطريقة أو أخرى في الأماكن العامّة، عليك الحفاظ على هدوئك، والسيطرة على أعصابك. إنّ ردّات الفعل السريعة والعاطفية لا تعالج المشكلة، بل على العكس، قد تفاقمها إلى درجة يصعب معها معالجتها. لذا، عليك التروي في مثل هذه الحالات، و"العد إلى العشرة"، وقبل أن تنطلقي مُسرعة لتأنيب طفلك. كل ما عليك فعله هو الطلب من طفلك أن يهدأ ويتوقف عن تصرّفاته السيِّئة، وإعلامه بالنتائج السلبية في حال استمر على موقفه. أجّلي إلقاء محاضراتك إلى أن تصبحا لوحدكما في المنزل. وفي كل الأحوال، إيّاك واللجوء إلى العقاب الجسدي، الذي قد يؤدِّي إلى ردود فعل سلبية، فيزداد الطفل عناداً وتمسكاً بموقفه. عليك البحث عن سبب تصرفه السيِّئ: هل كان متعمِّداً؟ هل كان بسبب شعوره بالتعب أو الجوع؟ هل استُفز إلى حد بعيد؟ ثمّ عليك طرح سؤال على نفسك: كيف كانت ستكون ردة فعلك لو بدر عن طفلك التصرّف نفسه في المنزل؟ إذ غالباً ما يبالغ الأهل في ردة فعلهم نحو تصرّفات الطفل، في وجود أشخاص آخرين في الأماكن العامّة، الأمر الذي يدفعهم إلى التصرّف بتهور من دون التفكير في العواقب. إنّ إهانة الطفل في الأماكن العامّة، والصراخ في وجهه، واستخدام كلمات جارحة أثناء تأنيبه أو صفعه بعنف، كل ذلك يترك آثاراً سلبية في الأهل أكثر من الطفل، كما أنّه يدفع بالطفل إلى أن يستاء ويخاف من الأهل.
في بعض الأحيان، تتسبب تصرّفات الطفل السيِّئة في مكان عام، في إلحاقه أذى جسدياً بالأشخاص الآخرين، أو الضرر بممتلكات خاصّة أو عامّة، مثل إنزال بعض المعروضات في المحال على الأرض، أو كسر زجاج، أو إيقاع كبير في السن أرضاً، أو صفع أحد العاملين في "السوبرماركت".. إلخ. في هذه الحالة، مسؤولية الأهل الأولى هي الحفاظ على سلامة ومصلحة الطفل والآخرين. أما التأديب والتربية، فيمكن أن ينتظرا.
بدايةً، على الأُم أن توقف تصرُّفات الطفل الخطرة والفوضى الناتجة عنها، حالاً. قد لا يجدي الكلام في هذه الحالة. عليها أن تُسرع إلى طفلها وتضمّه إلى صدرها حتى يشعر بالأمان، ثمّ تتأكّد من عدم إصابته بأذى. وإذا كان الحديث قد شمل أشخاصاً آخرين، عليها التأكُّد من سلامتهم أيضاً، وأن تُسارع إلى طلب المساعدة في حال وقوع إصابات. إنّ التأكد من الأضرار التي لحقت بالممتلكات، إنْ وجدت، أمر ضروري. وهنا على الأُم أن تترك اسمها وعنوانها ورقم هاتفها لدى الجهات المختصة، وأن تعرب للمتضررين عن استعدادها لتعويضهم. كما أنّ عليها عدم مغادرة المكان قبل تسوية كل شيء والإطمئنان على كل شخص، وجمع المخلفات من زجاج مكسور أو معلبات مُلقاة على الأرض، حتى لا تلحق الضرر بأشخاص آخرين.
إذا وقع أي حادث خطر نتيجة تصرّفات طفلك الخاطئة، هناك احتمال قوي بأن يشعر بذنبه وبحاجته إلى المواساة وليس إلى اللوم. عندها، ضمِّيه إليك وعبِّري له عن حبّك، وأكِّدي له أن ما حصل كان حادثاً عرضياً، وأنّك متأكدة من أنّه لم يتعمّد أذيّة أحد. وعندما يبدو أنّه أصبح مستعداً لتقبُّل الملاحظة ولفت الإنتباه، اشرحي له كيف تحصل الحوادث، وساعديه على إدراك أن عليه اتباع القوانين التي تضعينها، وأنّ التصرُّفات السيِّئة غالباً ما تؤدِّي إلى نتائج غير متوقعة، وقد تلحق الضرر بالآخرين، أمّا إذا ركزت على نتيجة معيّنة، فأكِّدي له أنّها نتيجة لسوء تصرُّفه.
- طفلك والآخرون:
معظم الأطفال الصغار يركبون باستمرار سيارات الآخرين، إمّا للذهاب مع أطفال الجيران إلى المدرسة أو الملعب أو السوق. وقد يركبون أيضاً سيارات بعض الأقارب. اطلبي من طفلكِ في هذه الحالة أن يتبع تعليمات الشخص الذي يقود السيارة.. ويُلاحَظ أنّ الأطفال يتصرّفون أحياناً مع الآخرين بشكل أفضل من تصرّفهم مع الأهل. ولكن ليس دائماً. لذا، على طفلكِ أن يحترم الشخص الذي يقود السيارة، بغض النظر عن مَن هو، وأن يحترم كل ما يوجه إليه من ملاحظات، كما أنّ عليه أن يعرف أنّ لكل عائلة معايير مختلفة. فقد يسمح بعضهم بالأكل واللعب داخل السيارة، بينما يرفض آخرون مثل هذا التصرّف. لذا، عليه الإلتزام بمعايير الشخص الذي يركب معه.
يجب عدم إلهاء السائق أثناء قيادته السيارة. فعندما يكون هناك أكثر من طفل في السيارة، قد يذهبون بعيداً جداً في تصرّفاتهم. لذا يجب تذكيرهم بأنّ عليهم الجلوس في أماكنهم والتزام الهدوء وعدم إثارة أيّة ضجة أو إلقاء أي شيء من السيارة، أو ركل المقاعد بأرجلهم. كلِّمي طفلك بهدوء عن شروط السلامة التي عليه اتباعها حال ركوبه السيارة، خاصة إذا كان في سيارة أشخاص غير معتادين على وجود طفل معهم. أكِّدي عليه إستخدام حزام الأمان وعدم إخراج رأسه من شباك السيارة أو محاولة اللعب بالباب.. إلخ.
- قواعد السلامة:
كثير من الأطفال يذهبون إلى الروضة أو المدرسة ويعودون منها في الباص. لذا، من الضروري تحضيره جيِّداً للتصرُّفات التي تحفظ سلامته. علِّميه احترام سائق الباص، وأفهميه أنّ العمل الذي يقوم به صعب جداً، لذا فهو يستحق أن ينال احترام وتقدير كل تلميذ يركب معه. كما يجب التأكيد أنّ القواعد هي القواعد، وأنّ عليه احترامها، سواء أكنت التي وضعتها أم كان سائق الباص أم أي شخص آخر، وأنّ عليه أن يذهب إلى الباص ماشياً وليس راكضاً، وأن يقف على جانب الطريق عند انتظار الباص، وأن ينتظر حتى يتوقف الباص كلياً وتفتح أبوابه قبل الإقتراب منه. أمّا في حال سقط شيء منه بالقرب من الباص أو تحته، فعليه أن لا يحاول إلتقاطه، بل الطلب من السائق، المساعدة لإلتقاطه بدلاً عنه، كما أنّ عليه اتخاذ مكان له يجلس فيه هادئاً إلى أن يصل إلى المدرسة، وعليه عدم الصراخ أو اللعب أو إلقاء أي شيء في أرض الباص. من الضروري أن يعرف أيضاً أنّ عليه وضع شنطته وصندوق طعامه في حضنه أو على أرض الباص بين قدميه، وعلى ألا يضع أي شيء في ممر الباص حتى لا يتحوّل إلى فخ يصطدم به الأطفال الآخرون. وعند استعداده للنزول من الباص، عليه الوقوف بعيداً عن أبواب الباص، والإنتظار حتى يفتحها السائق. كما أنّ عليه أن يقطع رؤيته. وألا يقطع الشارع إلا بعد أن يسمح له السائق بذلك. وعليه أن لا يقطعه أبداً من خلف الباص.
- التصرُّفات في الحفل:
كثيراً ما يُدعى الطفل إلى حفل "عيد ميلاد" صديق له، أو إلى حفل يُقام في المدرسة. ويتخلل هذه الحفلات أحياناً الكثير من الفوضى والصراخ. لذا، على الأهل توجيه الطفل ليتصرّف بلطف وأدب في الحفل. وحتى لو كانت الأُم غير مدعوّة، عليها مصاحبة طفلها إلى الحفل، وأن تبقى فيه حتى يُسلِّم على المدعوين جميعاً. وعند العودة لإصطحابه إلى المنزل، عليها التأكُّد من أن طفلها شكر وودّع صديقه قبل مغادرته منزله. أمّا في حال كنت أنت الداعية، فاحرصي على أن يكون عدد المدعوين محدوداً. لا توزعي الدعوات في الروضة أو المدرسة إلا في حال كان الجميع مدعوين. احرصي على أن يكون معك أشخاص آخرون لمساعدتك أثناء الحفل، حتى لو كان العدد لا يتجاوز ستة أطفال. فالأطفال في حاجة إلى الكثير من المراقبة والإهتمام. استقبلي أنتِ وطفلكِ كل مدعو، ولا تنسي أن تشكريه على الهدية عند وداعه.
يستمتع الأطفال كثيراً باللعب والأنشطة الخلّاقة. لذا، ضعي خطة للأنشطة التي يحبها الأطفال، مثل الغناء والرقص واللهو، حيث يشارك الجميع فيها. كوني مَرنة وصبوراً لأنّ الحفلة الناجحة تتطلب عادة التوازن بين اللعب بحرِّية والأنشطة المنظمة.
في حال حضر طفل غير مدعو إلى الحفل، كوني لطيفة معه، واستقبليه بترحاب ومن دون أي تعليق. وحتى لا تفسحي المجال أمام طفل أكبر سناً من الآخرين لتتحكم في الحفل وبقيّة الأطفال، اطلبي منه مساعدتك على تحضير المائدة وتوزيع العصير والحلوى على المدعوين. أمّا إذا اضطررت إلى توجيه ملاحظة إليه فكوني مهذبة، ولكن واضحة أيضاً.