يدور اليوم حديث كثير ومستمر عن الانتقال من المفاوضات غير
المباشرة بين
سلطة فتح بقيادة محمود عباس في رام الله وبين الكيان الصهيوني الغاصب إلى
مفاوضات مباشرة بين الجانبين.
وفى خلال هذه الأثناء يدور حديث عن رفض محمود عباس للشروع في هذه
المفوضات
ما لم تحقق المفاوضات غير المباشرة تقدما ملحوظا، في الوقت ذاته قال محمد
دحلان أنه لا يريد ألاعيب سياسية بل نريد مفاوضات حقيقية، والحديث في
الموضوع كثير جدا.
لكن من المعروف أن السلطة الفلسطينية تسير وفقا لمصالح قيادتها التى
ترتبط
بالطبع بالكيان الصهيوني وبالتالي فالسلطة الفلسطينية تسير وفقا لإرادة
الحكومة الصهيونية وتنفذ ما يملى عليها من الحكومة الصهيونية دون جدال.
إذاً فلماذا هذا الرفض للتوجه إلى المفاوضات المباشرة؟! بل ما الذي يدفع
محمد دحلان رجل الكيان الصهيوني الأول على الساحة الفلسطينية والذي لا
يخجل
من التصريح بالتنسيق للكيان الصهيوني إلى رفض هذه المفاوضات؟!
في الحقيقة إن هذا الرفض ليس رفضا حقيقيا بل هو رفض في الظاهر، أو لنقل
هو
رفض إعلامي لكن في الحقيقة فلا يوجد أحد في السلطة الفلسطينية يمكنه أن
يرفض أمرا للكيان الصهيوني، وهذا ليس افتراء على السلطة بل هي الحقيقة
التي
عايشناها, ففي أصعب الأوقات وفى الوقت الذي كانت الآلة العسسكرية
الصهيونية
ترتكب الجرائم والفظائع وإرهاب الدولة بحق الشعب الفلسطيني، كانت السلطة
الفلسطينية تجرى مفاوضات سرية تآمرية على هذا الشعب الفلسطيني وعلى قواه
الحية المدافعة عنه بكل الوسائل المتاحة والممكنة.
إنه لا يمكن لأحد أن يدعي أن هذا الرفض للمفاوضات المباشرة سببه الحرص
على
مصالح الشعب الفلسطيني، لأن الحرص على مصالح الشعب الفلسطيني يتمثل أولا
في
وقف كافة أشكال التنسيق الأمني مع أجهزة العدو الأمنية، ووقف مطاردة رجال
المقاومة الأشاوس من أي فصيل كانوا، ووقف كافة أشكال التفريط في حقوق
وثوابت هذا الشعب المسكين الذين ضج من خيانتهم له ومن جرائمهم بحقه.
لكن لأنه لا يمكن خديعة الناس كل الوقت ولا يمكن للكذب أن يستمر ولابد من
شيء يفضحه، ولابد من فضيحة العملاء والخونة، فإن الواقع الحالي يشكل
مأزقا
حقيقيا لدعاة التسوية في المنطقة، فبعد الحسم العسكري الذي قامت به حركة
المقاومة الإسلامية حماس في قطاع غزة انقلابا على الانفلات الأمني
وإفشالا
لمخطط صهيو أميركي للقضاء على المقاومة، سيطرت حركة فتح على الضفة
الغربية
وحكمتها بالحديد والنار وأسكتت صوت فصائل منظمة التحرير التي لا فائدة
مرجوة منها على الإطلاق حيث تعتبر شاهد زور على جرائم سلطة رام الله،
وبعد
هذه السيطرة الكاملة صارت سلطة فتح تفعل ما تشاء دون حسيب ولا رقيب،
وصارت
يدها مطلقة في المفاوضات مع الكيان الصهيوني ولم تعد هناك ما يبرر تعليق
الفشل في المفاوضات على قوى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة خاصة في ظل
حالة التهدئة الموجودة والمستمرة منذ انتهاء الحرب الصهيونية الأخيرة على
قطاع غزة.
لقد كانوا من قبل يبررون فشل مشروعهم بما تفعله قوى المقاومة من عمليات
عسكرية ضد العدو, لكن اليوم نزعت منهم هذه الحجة، وأدركوا أنهم في اختبار
صعب, وأن وجودهم في السلطة بات مرهونا بتحقيق شيء ملموس على أرض الواقع،
خاصة أنهم قطعوا كل الروابط والصلات بين التيارات الفلسطينية الأخرى،
وقالوا أنهم قادرون على تحقيق تقدم ملموس على أرض الواقع, وقد ظنوا أن
الأمور ستسير دائما وفق أهوائهم.
لكنهم في هذه الأوقات وجدوا أنفسهم في موقف صعب, فالمقاومة قد طلقوها
طلاقا
بائنا منذ أمد بعيد, ليس هذا فحسب بل لقد وجهوا ضربات قاضية –لم ولن تنجح
بعون الله- للقوى المقومة في الضفة الغربية وشاركوا وأيدوا حصار هذه
القوى
في قطاع غزة، وأما مشروع التسوية المزعوم فقد ساروا فيه ولكنهم وجدوا
أنفسهم بعد كل هذه السنين لا يزالون في المربع الأول, فبأي مبرر سيبررون
فشلهم هذه المرة.
إن الأوضاع الراهنة في الضفة الغربية تدفع هؤلاء إلى التردد كثيرا، فحركة
فتح صارت تعانى مشاكل كثيرة, وبات الانقسام أقرب إليها اليوم من أي وقت
مضى, وهم في أمس الحاجة اليوم إلى إنجاز ولو شكلي كي يحافظوا على لحمة
هذه
الحركة, لكن هذا يبدو من المستحيلات، خاصة في ظل الحديث عن أزمة مالية
تعصف
بالحركة, وفى ظل ضجر وغضب لدى قيادات الحركة من نفوذ سلام فياض, حيث بات
يعتقد كثير من قيادات وكوادر حركة فتح أن سلام فياض يلقى قبولا شديدا من
الإدارة الأمريكية والحكومة الصهيونية.
وفى ظل هذه المأزق الذي يعيشه هؤلاء فإن أمامهم خياران:
إما أن يذهبوا إلى المفاوضات المباشرة وهى آخر ورقة في أيديهم، وهذه
المفاوضات محكوم عليها بالفشل وسيعودون منها بخفي حنين، وسوف يفقدون كل
حجة
وكل مبرر ليكذبوا به على تباعهم وعلى عامة الشعب الفلسطيني، وحينها فأول
من
سيثور عليهم ويرفض وجودهم هم كوادر حركة فتح نفسها الذين سيكتشفون أنهم
تعرضوا لعملية خداع كبيرة من هذا الفريق, فلا هم على المقاومة قد ثبتوا
وصاروا في عداد الرجال، ولا هم في السلطة قد أثبتوا وجودهم, فقد خسروا
حينئذ دنياهم وآخرتهم.
وإما أن يرفضوا الذهاب إلى هذه المفاوضات المباشرة مهما كانت الضغوط ومن
أي
جهة كانت، وهذا أمر لن تقبله الإدارة الأمريكية والحكومة الصهيونية
وسيكون
مصير كل من كان تابعا لهم ثم يحاول الخروج عن سلطتهم كمصير ياسر عرفات،
وبالطبع هم يدركون جيدا كيف مات ياسر عرفات ومن ساعد في اغتياله وهم
يخشون
أن يفعل بهم ما فعلوه بهم بياسر عرفات.
ولذلك فهم يحاولون إظهار ممانعة التوجه لمفاوضات مباشرة ويحاولون وضع
شروط،
ويعلنون أنهم سيواجهون ضغوطاً صعبة، وربما يعمدون إلى استصدار قرار من
جامعة الدول العربية بضرورة البدء في المفاوضات المباشرة, حتى يعلقوا
عليه
سبب توجههم لهذه المفاوضات, لكن كل هذا لن يخفى الحقيقة الظاهرة لذوى
العقول والألباب.