في ثالث جراحة زرع وجه في العالم, والأولي من نوعها لزرع وجه في حالة أورام من متبرع حي, تمكن جراح مصري بمساعدة فريق جراحي وطبي متكامل بالمعهد القومي للأورام من زرع وجه لطفلة مصرية عمرها5 سنوات, كانت تعاني ورما طسرطانيا بالوجه, نتيجة إصابتها بنوع من أمراض الجلد يسميZeroDerma, يحدث بسبب زواج الأقارب, ويصبح معه الطفل حبيس جدران المنزل مدي الحياة لأن أشعة الشمس فوق البنفسجية هي التي تسبب هذا التحول السرطاني, وحياة المريض لا تتجاوز غالبا18 عاما, يحرم خلالها من ضوء الشمس ومن التعليم بل ومن الحياة الطبيعية, والأسوأ من ذلك تعرضه خلال رحلة حياته القصيرة لجراحات ترقيعية في الوجه, بنقل أجزاء من جلده إلي الأجزاء المصابة في الوجه, لكنها كانت حلولا مؤقتة, علما بأن الجراحة أجريت بالكامل بالمجان في معهد الأورام.
يذكر أن أول حالة زرع وجه في العالم أجراها الدكتور برنار ديفوشيل للفرنسية إيزابيل دينوار البالغة38 عاما في نوفمبر2005, ولم تكشف عن هويتها إلا بعد مضي6 أسابيع علي الجراحة التي استغرقت15 ساعة, وكانت قد فقدت أنفها وشفتيها وذقنها بعد هجوم كلبها عليها في مايو2005 خلال نومها..
وتم خلال الجراحة نقل أنسجة وعضلات وأوردة وشرايين من متبرعة في حالة وفاة دماغية إلي الجزء الأسفل من وجه المريضة, وقال أطباؤها إنهم طلبوا من السلطات الفرنسية السماح لهم بإجراء خمس عمليات أخري لها, ومازال أمامها الكثير في عملية إعادة التأهيل لتنشيط عضلاتها.
وبرغم التحسن المطرد في حالة دينوار, فإن الأطباء يحذرون من أنها لن تظل بمأمن من خطر رفض جسمها للوجه المزروع في أي لحظة.
والجراحة الثانية, أجراها الجراح الفرنسي لوران لانتيري بعد عام من الأولي بزرع أنف وفم وذقن جديدة لرجل كان يعاني من مرض جيني يصيب الجهاز العصبي ويؤدي إلي تشويه لملامح وجهه.
وأيا كان ترتيب الجراحة المصرية, لكنها تعد الأولي من نوعها عالميا لزرع وجه لعلاج ورم ناتج عن نوع من الأورام, كما أنها فريدة من نوعها في أنها تمت نقلا من متبرع حي, علي عكس ماتم في فرنسا من الاعتماد علي حديثي الوفاة.
بداية التفكير في الجراحة
بداية التفكير في هذه الجراحة جاءت مع استماع الدكتور أيمن عبدالوهاب أستاذ مساعد جراحة الأورام بمعهد الأورام القومي لمحاضرة الدكتور برنار ديفوشيل صاحب أول جراحة زرع وجه في مؤتمر دولي لجراحة أورام الرأس والرقبة, حيث بدأ التفكير في استخدام هذه الجراحة في حالات أطفال مرضZeroDerma, خصوصا أنه لاعلاج جديد لهم منذ ستينات القرن الماضي, إلا بعمليات ترقيعية مؤقتة, وهو أحد الأمراض الوراثية التي ينتج عنها حدوث أورام في الجلد نتيجة التعرض مباشرة لضوء الشمس, وعادة ما تحدث هذه الأورام في منطقة الوجه, باعتباره أكثر الأجزاء تعرضا للشمس.
هذه الحالة التي ترجع الي زواج الأقارب, يبدأ فيها تغير لون الجلد عند سن4 سنوات, حيث يبدو وجه الطفل مليئا بالنقاط السوداء التي ما تلبث أن تتحول لاحقا إلي أورام سرطانية بفعل التعرض لأشعة الشمس فوق البنفسجية, وعليه لا تجد الأسرة مفرا من أن يصبح الطفل أسيرا في منزله لا يغادره إلا ليلا, مما يعني حرمانه من ممارسة حياته الطبيعية ومن التعليم بل ومن حقه في الحياة, برغم تمتعه بقدرة ذكاء عادية.
والتاريخ المرضي لهؤلاء الأطفال ينتهي عادة بالوفاة عند سن16 ـ18 عاما بسبب سرطان الوجه, وخلال حياته القصيرة يتعرض الطفل لجراحات متكررة في الوجه لإزالة الأورام السرطانية وعمل ترقيع من نفس جلده من الأجزاء غير المعرضة للشمس, والتي لا تلبث أن تصاب بالأورام بعد نقلها للوجه عند تعرضها للشمس, ما يعني أن جراحات ترقيع الجلد ماهي إلا حلول مؤقتة.
الطرق التقليدية للعلاج
ويقول الدكتور أيمن عبدالوهاب إن الطرق التقليدية المتبعة في علاج مثل هذه الحالات هي عملية ترقيع الجلد من نفس الطفل, ولم يحدث أي تطور في علاج هذا المرض منذ ستينات القرن الماضي, لكن حدوث طفرة في عمليات زرع الأعضاء وفي الجراحة الميكروسكوبية والتي غيرت من مسيرة الطب في العقد الأخير, إلي أن تم زرع وجه لأول مرة في تاريخ الطب في فرنسا في نوفمبر2005, من هنا جاءت فكرة إجراء الجراحة الجديدة في مصر باستئصال جلد الوجه من الأطفال الذين يعانون من مرضZeroDerma واستبداله بجلد سليم من متبرع حي, باعتبار أنه لا يوجد حتي اليوم قانون ينظم زرع الأعضاء من حديثي الوفاة.
إلي أن جاءت أم هدي بطلفتها5 سنوات, والتي كانت التغيرات السرطانية قد بدأت تظهر علي وجهها بسبب هذا المرض, ومما زاد من قلق الأم وهي من إحدي قري مركز الصف أن شقيقة هدي قد توفيت بنفس المرض عن عمر14 عاما بعد رحلة معاناة طويلة مع المرض امتدت لعشر سنوات بسبب الأورام الناتجة عن مرضZeroDerma في الوجه.
رحلة المعاناة
واستغرقت رحلة الحصول علي موافقات بإجراء هذه الجراحة وقتا طويلا, بعد العرض علي لجنة القيم والبحوث داخل المعهد القومي للأورام, باعتبار أنها أول حالة سيتم التعامل معها جراحيا بأسلوب غير مسبوق, وبعد مناقشات مستفيضة ومعقدة أمام لجنة القيم التي تضم في عضويتها أطباء وأساتذة في القانون, لضمان توفير كل الضمانات القانونية والصحية للمرض, تم الحصول علي موافقة اللجنة بإجراء هذه الجراحة علي حالتين وموافاة اللجنة بتقييم كامل للتجربة بعد إجراء الجراحة.
بعد ذلك جاءت خطوة إقناع أم هدي بالجراحة, فقد عرض عليها الدكتور عبدالوهاب أن هناك علاجا تقليديا يمكن أن تتلقاه هدي مثلما حدث مع شقيقتها, والذي تعرفه الأم تماما من رحلتها السابقة من المعاناة لعشر سنوات علي معهد الأورام, وشرح لها ببساطة الجراحة الجديدة والتي تتضمن أخذ شريحة ميكروسكوبية بشريان ووريد وعصب من ذراعها وزرعه في وجه ابنتها بعد استئصال مساحة الجلد الموازية لها من الوجه, وبقلب الأم المشفق علي طفلتها من رحلة عذاب أختها, جاء ردها الذي اختزل10 سنوات من المعاناة مع شقيقتها, بالقبول علي إجراء الجراحة الجديدة, وهنا بدأ الفريق الطبي في إجراء تحاليل توافق الدم والأنسجة لكل أفراد الأسرة, ووجدنا أن الأم متوافقة مع ابنتها بنسبة50% وأن لها شقيقا توافق معها بنسبة90%, لكن لأسباب أخلاقية كان لابد من استبعاد نقل جزء من الطفل, وقد أجرت هذه التحاليل الدكتورة غادة مسلم استشاري مساعد الباثولوجيا الإكلينيكية بمعهد الأورام.
وبعد عمل التحاليل والفحوصات اللازمة, تم الاستعانة بفريق طبي ضم الدكتورة هناء القراقصي أستاذ طب الأطفال والمناعة بقصر العيني والدكتور علاء الحداد أستاذ علاج أورام الأطفال وزرع النخاع بمعهد الأورام لتحديد نوعية وجرعات مثبطات المناعة المناسبة لهذه الحالة بعد الجراحة, وكذلك ضبط مستوي مثبطات المناعة بعد الجراحة علي المدي البعيد.
الجراحة
بعد ذلك جاءت الجراحة, والتي أجريت في وقت واحد من خلال غرفتين متجاورتين للجراحة, الأولي ترقد فيها الطفلة وتولي الدكتور محمود بسيوني أستاذ ورئيس أقسام الجراحة بمعهد الأورام استئصال نصف وجه هدي, يعاونه الدكتور سامر سمير مدرس مساعد الجراحة, وفي الغرفة المجاورة يقوم الدكتور أيمن عبدالوهاب بمساعدة الدكتور كريم سلام مدرس مساعد الجراحة والنواب ماجد يسري ومحمد شاكر وجلال غالي, باستئصال الرقعة التي سيتم زرعها في وجه الطفلة من ذراع الأم بشريانها ووريدها وعصبها, وبعد رفع الشريحة تم غسلها بمحلول الهيبارين لضمان تفريغها من كل الخلايا المناعية وكرات الدم الخاصة بالأم للحيلولة دون رفضها بعد زرعها, علما بأن الطفلة بدأ إعطاؤها مثبطات المناعة منذ الليلة السابقة لإجراء الجراحة, ثم انتقل الدكتور أيمن وفريقه إلي هدي, حيث بدأ في تسليك الشرايين الدقيقة من الرقبة والعصب تمهيدا لتوصيلها تحت الميكروسكوب الجراحي بشريان ووريد وعصب الرقعة المنقولة من الأم, وقد استغرقت الجراحة6 ساعات كاملة.
نصف الوجه الآخر
ولكن ماذا عن النصف الآخر من وجه هدي؟
يرد الدكتور عبدالوهاب أنه من المخطط أن يتم وضع بالون أسفل الجزء الذي تم زرعه مع حقنه بمحلول ملح بقدر معين حتي يحدث تمدد في الجلد يسمح بوجود مساحة كبيرة منه, علي أن يتم بعد ذلك استئصال الشق الآخر من الوجه وبسط مساحة الجلد الزائدة من الشق الآخر عليه, لكن ذلك لن يتم قبل فترة طويلة لحين استقرار الجراحة لم تتحدد بعد.
وهل تظل الطفلة تتعاطي مثبطات المناعة مدي الحياة؟
يرد الجراح إن هذا السؤال لا توجد إجابة عليه حتي الآن, حيث لا يوجد في الدوريات العلمية أي أبحاث توفر إجابة شافية عن مدي تأثير هذه المثبطات علي الطفل, علما بأن حالة السيدة الفرنسية التي أجرت زرع وجه مازالت تتناول مثبطات المناعة بعد مرور نحو عامين علي إجرائها, لكن من المخطط البدء في تقليل جرعات مثبطات المناعة بعد مضي6 أشهر علي هذه الجراحة لضمان اعتمادها علي التغذية من وجه الطفلة وليس من الشريان والعصب المنقولة به.
وبعد نقل هدي إلي العناية المركزة يتم متابعتها كل ساعتين بالدوبلر لمتابعة حالة الشريحة المنقولة للتأكد من سريان الدم في الشريان بصورة طبيعية, وهو ماتم التأكد منه بالفعل, ويوميا تجري فحوصات وتحاليل للطفلة لتحديد مستوي مثبطات المناعة, ويمكن القول أنها الآن قد تجاوزت بنجاح مرحلة نجاح الجراحة كعملية بعد مضي أكثر من20 يوما عليها, لكن يظل الهاجس من طرد الجلد المزروع قائما, مثلما هو الحال في أي عملية زرع أعضاء.
بقي أن نعرف أن حالة الأم جيدة, بعدما تم تغطية مكان الرقعة المنقولة من ذراعها بشريحة جديدة من الفخذ, ومازالت هدي في الرعاية المركزة حتي الآن..وقريبا ستخرج من المستشفي معلنة إضافة إنجاز طبي يضاف إلي رصيد الطب في مصر...