قد علم من الدين بالضرورة وبالأدلة الشرعية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يوجد في كل مكان ، وإنما يوجد جسمه في قبره فقط في المدينة المنورة ، أما روحه ففي الرفيق الأعلى في الجنة .. وقد دل على ذلك ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال عند الموت : « اللهم في الرفيق الأعلى » ثلاثا ، ثم توفي . وقد أجمع علماء الإسلام من الصحابة ومن بعدهم أنه صلى الله عليه وسلم دفن في بيت عائشة رضي الله عنها المجاور لمسجده الشريف ، ولم يزل جسمه فيه ، أما روحه وأرواح بقية الأنبياء والمرسلين وأرواح المؤمنين فكلها في الجنة ، لكنها في منازل في نعيمها ودرجاتها ، حسب ما خص الله به الجميع من العلم والإيمان والصبر على حمل المشاق في سبيل الدعوة إلى الحق . أما الغيب فلا يعلمه إلا الله وحده ، وإنما يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره من الخلق من الغيب ما أطلعهم الله عليه مما ورد في القرآن الكريم والسنة المطهرة من بيانه لأمور الجنة والنار وأحوال القيامة وغير ذلك ، مما دل عليه القرآن والأحاديث الصحيحة ، كأخبار الدجال ، وطلوع الشمس من مغربها ، وخروج الدابة ، ونزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام في آخر الزمان ، وأشباه ذلك .. - لقول الله عز وجل في سورة النمل : {قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ} [سورة النمل :65] - وقوله سبحانه : {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الغَيْبَ} [سورة الأنعام :50] - وقوله سبحانه في سورة الأعراف : {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَراًّ إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [سورة : 188] .. والآيات في هذا المعنى كثيرة .. وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث ما يدل على أنه لا يعلم الغيب : - منها ما ثبت في جوابه لجبريل لما سأله : متى الساعة ؟ قال : « ما المسئول عنها بأعلم من السائل » ، ثم قال : « في خمس لا يعلمهن إلا الله ، ثم تلا : {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ} [سورة لقمان : 34] . - ومنها أنه صلى الله عليه وسلم لما رمى أهل الإفك عائشة رضي الله عنها بالفاحشة لم يعلم ببراءتها إلا بنزول الوحي كما في سورة النور - ومنها أنه لما ضاع عقد عائشة في بعض الغزوات لم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم مكانه ، وبعث جماعة في طلبه فلم يجدوه ، فلما قام بعيرها وجدوه تحته وهذا قليل من كثير من الأحاديث الواردة في هذا المعنى . أما ما يظنه بعض الصوفية من علمه بالغيب وحضوره صلى الله عليه وسلم لديهم في أوقات احتفالهم بالمولد وغيره فهو شيء باطل لا أساس له ، وإنما قادهم إليه جهلهم بالقرآن والسنة وما كان عليه السلف الصالح ، فنسأل الله لنا ولجميع المسلمين العافية مما ابتلاهم به ، كما نسأله سبحانه أن يهدينا وإياهم جميعا صراطه المستقيم إنه سميع مجيب . ثم إنه يجب على كل مسلم أن يعتقد اعتقادا جازما أنه لا يعلم الغيب إلا الله ، وقد يطلع الله بعض رسله على بعض الغيبيات ويأمرهم بتبليغها للأمة ، قال تعالى : {عَالِمُ الغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً * لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً} [الجن :26-28] . فصحيح الاعتقاد : أن كل ما أطلع الله عليه نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم من الغيب أبلغه ووضحه وعلمه لأمته جميعا علانية ، لم يخص به أحدًا تنفيذا لأمر ربه سبحانه : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة :67] ، فعليك الاعتصام بصحيح الاعتقاد والله المستعان وعليه التكلان ولا حول إلا بالله .