نباح غير مُباح !
المؤلف الشيخ عبدالرحمن السحيم
كان من عادت أهل البادية رَبْط الكلاب للحراسة ولِمآرِب أخرى .. فتكون الكلاب في ناحية ، فإذا قَدم الغريب نَبَحَتْه الكلاب ، وإن كان شريفا ذا شَرَف ، أو كان عالِمًا ذا فَضْل ، أو كبيرا ذا قَدْر ، فالكلّ أمام الكلاب سواء .. لا تَعرِف لِفاضِل فضْلَه ، ولا لِعالِم قَدْره ، ولا لِكبير كِبَر سِنِّـه .. بينما تُبَصْبَص بأذنابها لِمن تعرِف ، وإن كان مِن سَفَلَة الناس وسَقَطهم .. !
فَلا فَرْق عند تلك الكلاب بين عالِم وعامِل .. ولا بين فاضِل وسافِل .. ولا بين فَقِيه وسَفيه !
وتنبح الكلاب إذا رأت الشياطين استبشارًا ..
ولا تملك الكلاب سوى صوت نشاز ممجوج .. ولُعاب نجس .. تلك هي مؤهِّلات الكلاب !
وما ذلك إلاّ لأن النباح لا يحتاج إلى مُؤهَّل ولا إلى شهادة ولا إلى خُبرة أو دِراية !
ويبدو أن الغَرْب أخذ عادة أهل البادية فَرَبَط بعض كِلابه في بعض أودية الإعلام ، فتنبح كل فاضِل ، وربما عَدَتْ عليه ومزّقت ثيابه !
وما نسمعه في مثل هذه الأيام مِن نُباح كلاب مسعورة ضد أهل العِلْم والفضل إلاّ حلقة من ذلك النشاز ..
قلِّب بصرك في أولئك النابحين .. ما هي مؤهِّلاتهم ؟ وأي شهادات يحملون ؟ وأي فضْل يعرِفون ؟!
إيهٍ يا زمن الغُرْبَة .. نَطَق فيك الرويبضة !
\" سَتَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنُون خَدَّاعَة ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ . قِيلَ : وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ ؟ قَالَ : السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ \" رواه الإمام أحمد .
وفي رواية : قيل : وما الرويبضة ؟ قال : الفويسق يتكلم في أمْر العامة !
وفي رواية : قيل : وما الرويبضة ؟ قال : الرجل التافِـه يتكلّم في أمْر العامة .
هذا عَلَم مِن أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم .. وليس وصفا أدقّ مِن \" التافه \" و \" السفيه \" ، فهو لا قيمة له .. تافِه في أفكاره .. تافِه في مبادئه .. تافِه فيما يحمله مِن أفكار !
ولا يضرّ السحاب نبْح الكلاب .. وإن كانت الكلاب مسعورة !
هَمّ أولئك تقديس الغَرْب وكل ما يصدر عن الغَرْب ..
سبّحوا بِحمد أمريكا .. ويَمّمُوا وجوههم شَطر البيت الأبيض .. فقبضوا بأيديهم ثمن كرامتهم .. باعُوا دِينهم بِثمن بخسٍ دراهم معدودة ..
فالظُّلْم والجور عْندهم عَدْل إن صَدَر عن الغرب !
والكُفر والفسق والفجور عندهم حرية فِكْر .. إن قال به شياطينهم !
وفي المقابِل ..
لا قيمة لأهل الفضل عندهم .. وذلك لأنه لا يعرف لأهل الفضل قَدْرهم إلاّ أهل الفضل ..
أما الكلاب فتنبح كل أحد ! مهما علا قَدْره ، وارتفع نسبه ، وترسّخت في العِلْم والدِّين قَدَمه ..
خفافيش الظلام .. يُبْهِرها النور ..
وعقارِب السوء .. لا تَدَع نَبِيًّا ولا غيره إلاّ لدغته !
كلاب الثرى تُخزِى .. وأُسُود الشَّرَى تُخشَى ..
ورَحِم الله الإمام الشافعي إذا يقول :
أما تَرى الأُسْد تُخْشَى وهي صامتة ... والكلب يُخْسَى- لعمري- وهو نَبّاح !
يُنادون بِما هم من براء !
إن تكلِّم فاضل .. شهَّروا به ..
وإن اعتبروا أنفسهم ظَفِروا بِزلّـة عالِم – بِنظرهم القاصِر – رفعوا لها الرايات ، ودقّوا لها الطبول ! وتنادُوا أن هلّموا إلى بُغيتكم .. للطعن بِدِين الله مِن طرْف خفيّ ..
وأين هُم عَمَّا نادوا به مرارا وتكرارا : مِن ضرورة الإسرار بالنصيحة ؟! وهُم يُعلنونها على الملأ .. وينشرونها في الآفاق ؟!
وأين هُم عمّا يُدندنون حوله ، ويَهْرِفون به : مِن سَعة الأُفُق .. ولزوم التعددية الثقافية ؟!
وأين هي حُريّة الرأي وحُريّة الفِكْر التي ضللوا بها الجهّال .. حينما ينطق بعضهم بالكُفر الصريح ؟!
وأين هو الْتماس الأعذار .. الذي مارسَوه في حقّ مَن كتب روايات تنضَح بالكُفر الصُّرَاح ؟! وفي شأن مَن كتب القصائد في الفِسْق العُهر ، وفي حكاية الليالي الحمراء ؟!
إن نَطَق بعضهم زُورًا .. أو غَشي فُجورا .. أو ارتكب محظورا .. جاء حُسْن النوايا !! والْتِماس الأعذار .. والتنادي بأن هذه فِتنة .. فاحفظوا ألسنتكم !!
كم مَلئوا الدنيا ضجيجا بضرورة الْحِوار .. فلمَّا جاءهم ما يكرهون صار الْحِوَار خِوَارًا !
كم دندنوا حول مُصطلحات جوفاء .. مثل \" الإقصائية \" .. فإذا هُم يُمارسونها بِأبشع صُورها !
بل وزادوا عليها \" الاستعدائية \" ! والكذب والزّور والفُجور !
والشيء مِن مَعْدِنه لا يُستغرب !
وكم نادَوا باحترام التخصص .. فلا هُم احترموا التخصص ولا عَرفوا الفضل لأهله .. وما ذلك إلاّ لأنهم لا يعرِفون الاحترام ولا يستحقونه !
تلك المبادئ تلاشَت وذهبَتْ أدراج الرياح إذا كان مَن وُجِّه إليه النقد فاضِلا !
كنت أوَدّ لو تجرأ سفهاء قومي في الصحافة فوضعوا تصويتا – كعادتهم – عن تأييد الناس لكلام أهل العِلْم .. وعن رأي الناس في الاختلاط .. ليُصفَعوا مرات وكرّات .. كما صُفِعوا مِن قَبْل .. بنتائج لا تُرضيهم ولا تَروق لهم ! فيلجئون إلى أمانة الكلمة ! وإلى شَرَف المهنة في إلغاء التصويت الذي لم يُوافِق أهواءهم !
ثم يعتذر رئيس التحرير – كعادته - اعتذرًا باهِتًا بأن التصويت وُضِع من غير عِلْمه !! أو أنه كان يقضي إجازته في جُزر الواق واق !!!
لقد نبحت كلاب الصحافة حتى سال لُعابها .. فيا أيها المؤمن حذارِ مِن أن يمسّك بعض لُعابها فإنه نجس !
وإياك أن تسمع إلى نُباحها فَتصُمّ أذنيك ..
وإن سمعتها تنبح فقل : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. فإنها رأت الدولار يلمع ،، والشيطان يُوقِّع ..
وقّع لهم الشيطان مَنْشُور الولاية .. وتوّجهم بِتاج الزعامة .. فهو وليّهم ..
وصدق الله : (تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ) .
وإن تعجب فاعْجَب لِقوّة الشَّبَـه بين إبليس وتلامذته ! حتى في الأسماء .. فإبليس تسمّى بـ \" السَّجّاد \" قبل أن يُطرد مِن ملكوت السماء .. ومِن كُتابنا مَن شابَه إبليس في ذلك !
وبعضهم ليس له إلاّ الانتساب إلى بعض الأُسَر التي عُرِفَت بالخير .. يصدق عليه قول القائل :
لئن فخرت بآباء ذوي شَرَف *** لقد صَدَقْتَ .. ولكن بئس ما وَلَدُوا