gigi «.¸¸.•°°مشرف قسم·.¸.•°®»
عدد الرسائل : 10739
تاريخ التسجيل : 13/08/2008
| موضوع: الشمس حبيبتي الجمعة نوفمبر 20, 2009 7:34 pm | |
| يكتمل ضوء القمر في بعض الليالي ويبدو قرصه كقنديل كبير يزيح العتمة عن مساحات شاسعة من الأرض بضوءه الأصفر الشفاف وخيوطه الباردة التي تدغدغ أوتار الحب والحزن عندنا... ولكن من منا لا يخشى العتمة...؟ وكلنا يخشاها بالفطرة والتكوين... ربما نخشاها لأن أبوينا كانا يخيفانا منها في طفولتنا لكي لا نخرج للشارع ونعرض أنفسنا لحادث يصيبنا ويؤذيهم... أو لطول السنين التي مرت علينا ونحن تحت القهر والرعب والخوف... أو لأن العتمة هي في حقيقتها مصدراً للخوف والشر ولا يمكن لنا تجاوزها حتى وأن كبرنا، وها أنا ذا الليلة أعيش حالة من الخوف والرعب الشديدين، فلا أرى أمامي سوى العتمة الصماء، واستشعر بقطرات العرق المنهمر من فروة رأسي وجبيني، وقد خطت لها جداول على جفوني الذابلة وحرقة الملح تلسعني، وحدقة عيناي اللتان انحسرتا في أغوارهما العميقة ما عادت تميز الأشياء.. عجبت لكل هذا التعرق من جسدي، وهل جسد الإنسان يحمل في ثناياه كل هذه الكمية من الماء...؟ لم يبق عضو مني إلا وتصبب عرقاً، فأبتلت جميع ملابسي الداخلية وحتى الخشبة التي أجلس عليها شعرت أنها امتلأت وبدأت تنز عرقاً، وخيط (النايلون) هذا الذي يحز رقبتي ومنحري كلما حاولت الحركة يميناً أو شمالاً، وكأن ألمه موصولاً في خلايا عقلي.. وكتفي التي ما هدأت لحظة من آلامها منذ أن أجلست على الكرسي الخشبي وقيدت يداي إلى الخلف، كنت ارتجف من شدة البرد وربما من شدة الخوف على نفسي وحب الدنيا.. لا أدري..! استسلمت أعضاء جسدي كلها ولم تبدي أي ممانعة، وانقادت لكل حركة توقفها أو تقعدها، حتى أنني أشفقت على هذا الجسد المسكين وما حل عليه.. وابتعلت لساني في فمي ولم أتفوه بأي كلمة فيها اعتراض أو رفض أو تهجم، ولم تؤاتيني القدرة على النطق به أبداً واكتفيت بالتسبيح خفية... ولا أعلم لماذا أخذ رأسي بالانحناء رويداً.. رويداً.. من دون أن أوعز إليه بتلك الحركة، ربما هكذا هي الرؤوس عند العتمة والخوف تتطأطأ وتنحني، وغدت مقززة أصوات تلك القرقرة التي تنبثق من بطني يرافقها مغص موجع، لا أظنه مغص.. بل هي غازات تبخرت واستقرت في امعائي فهي خاوية ولم يدخلها الطعام منذ الظهيرة.. وما هذه الرغبة الملحة بالتغوط..؟ وهل هذا وقتها..؟ وسمعي ماذا أصابه.. هل طرشت..؟ وهل خرمت طبلتي أذني..؟ بماذا يتحدثون..؟ لا اسمع حتى همسهم، أم تراهم ابتعدوا عني .. وهل يعقل هذا..؟ .. بعد أن كسروا الأبواب وهشموا زجاج الشبابيك بقنابلهم الصوتية، وداسوا بأحذيتهم العسكرية جميع الغرف وقلبوا سافلها عاليها واحتجزوا جميع أفراد عائلتي في غرفة واحدة وانتزعوني من فراشي عنوة وضربوني بأعقاب بنادقهم، ثم قيدوني وطلبوا مني عدم الكلام، وأنا امتثلت لأمرهم ولا أتكلم، فهل يتركوني...؟ أي آلهي ما هذه الحيرة، ما هذا الألم...؟ أنفاس متقطعة خائفة أشعر بها تقترب مني، وكفين صغيرتين باردتين تحسست جسدي المبلل، جفلت وارتعشت أطرافي، وسمعت صدى صوت حزين يدخل قلبي ... - أبي لقد رحلوا، هل تريد أن أرفع الكيس عن رأسك...؟ وبعد صمت لدقائق طويلة أجبتها: - كلا يا أبنتي انتظري حتى مجيء الصباح، قد يعودون من جديد. | |
|