موضوع: التعاويذ والعين الشريرة الأربعاء ديسمبر 23, 2009 3:39 pm
هناك رأيان يتفقان من حيث الإعتقاد بالعين الشريرة: إمكانية إصابة الآخرين بالشر عن طريق تمني السوء لهم وإمكانية امتلاك قوى سحرية تؤثر بالناس وبالأحداث.
هذا الإعتقاد منتشر على نطاق واسع في الشرق و منه انتقل إلى أوروبا وعلى الأخص إيطاليا. هناك أشخاص من أصل وضيع أو رفيع يقال أن لهم القدرة على إيذاء الغير بنظرتهم الشريرة (أي يصيبون بالعين). ولذلك عمد الناس إلى ابتكار وسائل وأساليب عديدة تدعى تعويذات لتحييد أو تقييد التأثير الضار المنبعث من عيون هؤلاء الأشخاص.
هذه التعويذات قد تكون على شكل حرز يحتوي على كتابة على الورق، أو قد تكون صيغة معينة لنفس الغرض، أو خرز أو قطع من المعدن أو الحجر. كما أن المرايا الصغيرة الداخلة في تطريز بعض الثياب الشرقية هي في الأساس تقليد قديم لدرء خطر العين الشريرة.
كما يستعمل الناس أي أثر أو ذخيرة مقدسة لشفاء المرض. بعض تلك الآثار تستخدم كتحويطة أو حماية من الغرق (وهذا ينطبق على الوشم الذي على أجسام البحارة)، أو الحماية من مرض ما، أو من الموت العنيف كما في الحوادث المريعة. وهناك تعويذات أخرى ضد الأشباح والأرواح الشريرة، مثال على ذلك حدوة الفرس التي يتم تعليقها فوق الباب. هذه الحدوة ترمز إلى الحظ السعيد وتشير أيضاً إلى حماية البيت من أي مكروه، وهناك طقوس دقيقة تتصل بهذه الحذوة العريقة.
ففي إحدى المدن الأوروبية إن عثر أحدهم على حدوة فينبغي عليه العودة على الفور إلى بيته دون أن يكلم أحداً في طريقه لأن الكلام يبطل مفعول الحدوة. وعندما يصل البيت يجب أن يعلـّقها فوق الباب بحيث يكون طرفاها متجهين نحو الأعلى (لأنها إن عُلقت بعكس ذلك يسقط الحظ السعيد وتطير البركة!) كما يجب تثبيتها بثلاثة مسامير وثلاث ضربات بالمطرقة ليس أكثر. (هذه الضربات الثلاث قد تكون مستوحاة من فكرة الثالوث والله أعلم).
وإن عثرت فتاة على حدوة فيها مسامير فإن عدد المسامير هي بالنسبة لآنستنا المحظوظة إشارة إلى عدد السنين المتبقية حتى موعد الزفاف!
من غير المعلوم متى وكيف ترسّخ هذا الإعتقاد بالحدوة. وقد تعود إلى العصور الوسطى وما بعدها. أما صلاحية الحدوة فتكمن في شكلها ومعدنها وأصالة الفرس. لكن لم يقم برهان على العلاقة بين حدوة الفرس والحظ السعيد.
كما أن الأسماء أيضا تستعمل كتعاويذ. وهناك اعتقاد بوجود علاقة قوية بين الإسم وصاحبه. ولذلك لا يفصح بعضهم عن اسمه الحقيقي بل يستعمل إسماً مستعاراً خوفاً من إصابة صاحب الإسم بالسحر. كما لا ينبغي ذكر الأسماء المباركة. ومن هنا ظهر تقليد (التابو) أو الأمور التي يحظر التطرق إليها أو تداولها اجتماعيا.
ولكن كما في قصص ألف ليلة وليلة فإن الكلمة السحرية تأتي بالجنية أو تفتح الباب السحري. وهنا أيضا يتم التلفظ ببعض الكلمات الغامضة عند تناول الدواء أو القيام بطقس من الطقوس لجلب الحظ السعيد، وبدون الكلمة الصحيحة ما من حظ سعيد من قريب أو بعيد! والكلمات أيضا تفك السحر شرط أن تـُلفظ في اللحظة المناسبة لطرد الشر وأعوانه. وهذا ينطبق أيضاً على لمس العود لمنع حدوث المشاكل التي يتم ذكرها في تلك اللحظة. (ومن هنا ربما قول: وحياة هالعود ورب المعبود...)
وبالعودة إلى العين الشريرة فإن تأثيرها متصل بحسد المحظوظين إما على ممتلكاتهم المادية بما في ذلك قطعان الغنم أو الماعز أو البقر أو المباني الفخمة أو السيارات الفارهة أو أي من الكماليات ووسائل الترفيه العصرية، أو لامتلاكهم الصحة والجَمال والأولاد والشهادات والوظائف وغيرها. ويُعتقد كذلك أن لبعض الأشخاص قدرة على إطلاق وتفعيل اللعنات ضد الضحايا من خلال التحديق بهم والاستعانة بالعين السحرية. أما أكثر الإصابات بالعين شيوعاً فهي النظرات العادية للحاسدين. كما أن تأثير تلك العين يختلف من ضحية إلى أخرى.
البعض يعتقد أن العين الشريرة تسبب المرض والوهن الجسدي العام بل وحتى الموت. وفي كثير من البلدان غالباً ما يكون الضحايا من الرضع والصغار بسبب الثناء عليهم من الغرباء أو من نساء لا ينجبن.
ولعل فكر الإنسان هو الذي يرسل تلك الشرارات الشريرة غير المرئية عن طريق العين فتصل إلى هدفها وتصيب ضحيتها. ولكن من يمتلك إيماناً صحيحا ونوايا طيبة وفهما سويا لا خوف عليه من أي عين أو نوايا شريرة حتى ولو كانت بقوة الشمس، كونه يتمتع بحصانة وحماية تلقائية من تلك المؤثرات السلبية التي ترتد إلى أصحابها وتلحق بهم – لا بسواهم – الأذى.