مقامات آخر الزمان
المقامة الإستفزازية
كاظم فنجان الحمامي
حدثنا صابر بن حيران . قال : نزع بي إلى العواصم العربية شوق غلب. وطلب يا له من طلب. فقد كنت أنقب عن أخبارها. وافتش عن أسرارها. في زمن تفاقمت فيه المشكلات. وتعقدت فيه المعضلات. وتزايدت فية المعتقلات. وكثرت فيه الويلات. فأدّاني الإختراق في مسالكها. والتجوال في سككها.. إلى مشاهدات مقززة. وتجاوزات منرفزة. ورأيت في شوارعها ما يملأ الروح حسرة. ويؤجج في القلب جمرة. فبينما أنا يوما بها أطوف. ومعي نخبة من الضيوف. وجوههم أبلج من الأنوار. وأخلاقهم أبهج من الأزهار. إذ رأينا أسرابا من السيارات. تنطلق فجأة في كل المسارات. بسرعات جنونية تفوق سرعة الطائرات. وقد خرجت من مرآبها. وكشرت عن أنيابها. في تكبر لائِحٌ. وإنتهاك مروري فادِحٌ. واستهتار واضِحٌ. وتهور أخلاقي فاضح. نوافذها مظلمة. وألوانها معتمة. وكان التسابق بينها مُتطايِرُ الشَّرارِ. بحركات ترعب الأخيار والأشرارِ. وأخذت تستبيح الطريق. ويتقدمها الزعيق. باصوات مزمجرة. وصفارات محذرة. وعواء يصم الآذان. كعواء الكلب السعران. وأحاطت بالموكب الزُّمَرِ. إحاطَةَ الذباب بالإناء القذرِ. وهي تحف بصاحب السلطة والكبرياء. وجالب النحس والبلاء. وترافقه حزمة من عناصر الجيش. غلب عليها الطيش. والتصقت به الحزمة. التصاق الطلاء بالجزمة. . يتحاذون في الفعال. حذو النعال. فمنهم من اعْتَضَدَ بندقيته. ومنهم من تأبّطَ هِراوَتَهُ. وهم يزجروننا بلِسانٍ سَليطٍ. وغيظٍ مُستَشيطٍ .. فأتلَعوا نحوَنا الأعْناق. وأحدَقوا بنا الأحْداقَ. بعيون مبرقعة. ووجوه مقنعة. وصدور مدرعة. ورؤوس حليقة. وملامح صفيقة. ونظارات سوداء. وسراويل رقطاء. وكأنهم متوجهين إلى ضواحي العاصمة. لخوض معركة حاسمة. فنظرنا إلَيْهِم بعينِ عاطِفٍ. وخفضَنا لهُم جناحَ مُلاطِفٍ .. فجثا أحدهم جثوة ليث. وسدد علينا من غير ريث.فلجأنا إلى الرصيف. وكنا نرتجف في عز الصيف. فجعَلَ بعْضُنا يومِضُ إلى بعْضٍ. ويقلّبُ طرْفَيْهِ بينَ لحْظٍ وغضٍّ. فتسمرنا بالرصيف ولمْ نستطع تعَدّيهِ. ولا خطَتْ أقدامنا في تخَطّيهِ. وإذا شيخ ترتعد فرائصة. من هول التصرفات المنغصة. فقلت له : اهدأ يا شيخ لا بأس عليك . فتنفّسَ الصُعداءَ مِراراً. وأرسَلَ البُكاءَ مِدْراراً . حتى إذا استَنْزَفَ الدّمْعَ. استَنْصَتَ الجمْعَ. وقال لي : البيتُ قَفْرٌ. والكفُّ صَفْرٌ.. والعيشُ مُرٌّ. وإعتراض موكب المسئولين ضُرٌّ. فهجومهم عليْكَ. أسرَعَ منِ ارْتِدادِ طرْفِكَ إليْكَ. والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. فقد تعرضت للتوقيف في حالتين. واحتجزوني في ثكنتين. .
قال صابر بن حيران : ثمّ إن درويشا خرج علينا من بين الصّفوفَ. وأخذ يفرق الوُقوفَ. ويُنشِدُ في ضِمْنِ ما هوَ يطوفُ :
وسع يا ابني الموكب جي
موكب فل ومالهوش زي
جي ومعاه تلاتين عربية
أصله قريب لرئيس الحي
وسع يا ابني الموكب جي
استنالك مليون ساعة
وارمي مشاغلك ع الشماعة
واسمع ميت نشرة باذاعة
وانت وراك ايه يعني يا خي ؟
وسع يا ابني الموكب جي
وقف من شباكك طل
زيك يا ابني زي الكل
موكب باشا زي الفل
ولا مسئول في وزارة الري
وسع يا ابني الموكب جي
قال صابر بن حيران : فاقتفيت أثره في الرصيف المزدحم . فإذا هو أحمد فؤاد نجم. فَسلمت عليه. وَقَدْ رَغِبْتُ في مَعْرِفَتِهِ. وَتَاقَتْ نَفْسِي إِلَى مُحَادَثَتِهِ. فقال : لمْ اعترض على المواكب الإستفزازية . وأكشِفْ مثالب الإجراءات الإحترازية. في العواصم العربية . إلا بعْدَما شَقيتُ ولُقيتُ. وشِبْتُ ممّا لَقيتُ. فلَيتَني لمْ أكُنْ بَقيتُ. .
قال صابر بن حيران : فكُنتُ أوّلَ منْ أوى لبَلْواهُ. ورقّ لشَكْواهُ. فزجرت غربان مواكب البينِ. وغادرت تلك العواصم بخُفّيْ حُنَينٍ . .
منقوووووووووول