موضوع: أحلام المطر .. قصة قصيرة الأربعاء ديسمبر 17, 2008 6:29 pm
استيقظت ذاك الصباح باكرا .. وكعادتي كل صباح توجهت نحو نافذتي .. أنظر إلى السماء .. فإذا بها ملبدة بالغيوم التي تحجب ضوء الشمس .. ارتسمت ابتسامة على شفاهي .. فها قد حل شتائي .. حاملاً معه أمطاري .. ليحيي قلبي ويروي ظمأ نهاري فذاك أول يوم من أيام الشتاء .. وتمنيت أن يكون ذاك اليوم مولد سعادتي وموت أحزني ارتديت معطفي بسرعة .. وحملت أوراق ذكرياتي وقلمي الصغير .. وخرجت قاصدة ً ذلك المقهى الذي أتردد عليه دوما ً.. الطرقات خالية .. والأزقة يخيم عليها الضباب .. والسكون يعم المكان .. وأخيراً.. وصلت إلى ذاك المقهى .. كان خاليا ً تماماً إلا من بعض العمال الذين يعملون فيه .. ورجل جالس يقرأ الجريدة .. جلست على تلك الطاولة المجاورة لنافذة المقهى .. واحتسيت فنجان قهوتي أغمضت عيني برهة .. تمنيت لو أفتحهما فأجد نفسي كعصفورٍ يطير فوق السحاب جلست أقلب في مذكراتي .. فإذا بها تعج بالحزن والألم .. فذاك حبيب خائن .. وتلك صديقة غدرت بي .. وأخرى رحلت دون وداع .. وتلك صورة مع أصدقاء طفولتي وقد فرق بيننا الزمان .. وأنا مازلت وحيدة ، غارقة ً وسط أحزاني ..و ما كان يصبرني سوى شئ واحد... هو الأمل .. فقد كنت على يقين بأن السعادة تنتظرني في وقت ما ومكان ما أمسكت قلمي لأدون بداية يوم جديد في حياتي .. آملة أن يكون بداية سعادتي .. فقد ملّ قلمي شكواي وأحزاني .. وملت أحرفي قصائد رثائي وفجأة سمعت صوتا.. نظرت أمامي .. فإذا بذاك الرجل يجلس أمامي يقلب في صفحات الجريدة .. وفجأة نظر إلي بتلك العينين الشاردتين .. غرقت فيهما ووقع قلمي من يدي .. حاولت أن استجمع قواي وأخرج من بحر عيناه حتى لا أغرق أكثر .. تناولت قلمي مرة أخرى .. ونظرت إلى السماء .. فإذا بالأمطار بدأت تهطل .. وأخذني منظر حبات المطر وهي تحتضن الزهر .. وتسقط على الأرض كحبات اللؤلؤ المنثور تركت قلمي على الطاولة .. وركضت خارجا .. لأحتضن المطر بين ذراعي .. فإذا بصوت يناديني من خلفي .. كان ذلك الصوت يتخلل أعماقي .. ويتسلل إلى قلبي مخترقا كل حصونه المنيعة " أيا أميرتي " سمعت تلك الكلمة تترد خلفي .. وفي كل مرة أسمعها يخفق قلبي بشدة .. نظرت خلفي .. فإذا بذاك الرجل بسترته السوداء وعينيه الشاردتين يناديني أيا أميرتي هاأنا ذا أميرك .. لقد طال انتظاري وها أنا قد وجدتك الآن" ركضت نحوه مسرعة .. حتى وصلت إليه .. نظرت إلى عينيه .. غرقت فيها ثانية لكني هذه المرة لم أستطع أن أنقذ نفسي منهما .. ضمني بين ذراعيه بقوة .. لم أشعر حينها سوى بقطرات المطر تداعب وجهي .. ونبض قلبه يمنح الحياة لقلبي ... ومن ثم همس بصوته الحنون الدافئ في أذني .... " أحبك أميرتي آآآه أميري .. لو تعلم كم طال بي السهر وأنا انتظرك .. آآآه لو تعلم كم تمنيت أن أرى وجهك .. وكم حلمت أن أطير معك .. لو تعلم كم من الأيام والسنين مرت وشوقي إليك كاد يقتلني .. حتى سئمت أشواقي وسئمت انتظاري .. وهاأنا بين ذراعيك .. أسمع نبض قلبك .. وأتنفس هواك .. وأطير معك فوق السحاب وضعت رأسي على كتفه .. وأغمضت عيني .. وغرقت معه في أحلامي .. ومرت ساعات وساعات استيقظت فجأة .. فتحت عيناي .. فإذا برأسي ملقاة على تلك الطاولة الخشبية فوق أوراقي .. رفعت رأسي .. علامات الاستفهام تكاد تقتلني .. وأدمعي كادت تحجب الرؤية عن عيني أيعقل أن يكون هذا مجرد حلم ؟!!.. .. وذاك الحب كان مجرد وهم ؟؟.. وتلك السعادة التي شعرت بها أجهضت قبل مولدها ؟!!.. وزهوري ذبلت قبل تفتحها ؟؟ نظرت حولي .. فإذا بالشمس قد طواها الليل .. وأوراقي قد بعثرتها الرياح .. وأحلامي قد أذابها المطر .. ولم يبق شئ على حاله سوى تلك السماء الباكية وصوت ارتطام حبات المطر بالأرض مبددة سكون الليل نظرت أمامي .. فإذا بذاك الرجل ذو السترة السوداء جالس مع تلك المرأة الشقراء يداعب خصلات شعرها .. فرمقني بنظرة عابرة بتلك العينين الغامضتين ارتسمت على شفاهي ابتسامة أخرى.. ولكنها هذه المرة كانت ابتسامة سخرية.. سخرية من نفسي .. سخرية من أحزاني التي كذبت علي برحيلها عني .. سخرية من زماني الذي صور لي بأنه قد آن الأوان لتحقيق حلمي .. ولكنه كان مجرد حلم من أحلام المطر استيقظت منه على كابوس الواقع الأليم نهضت عن ذلك الكرسي .. لملمت أوراقي ووضعت قلمي الصغير في حقيبتي .. فلم يجد اليوم ما يسر أوراقي لكتابته .. ارتديت معطفي وخرجت من ذاك المقهى .. ألقيت زهوري في الطريق .. لعلها تكون أسعد بين قطرات المطر ..وبعثرت أوراقي لتحملها الريح بعيدا .. فلم يعد لدي ما أكتبه فيها .. نظرت إلى السماء .. علمت أنها كانت تبكيني .. وأدركت حينها أن اليوم لم يكون مولد سعادتي .. بل مولد مأساة جديدة .. واستمرار لأحزاني المديدة .. وأدركت أنني ..... كنت وما زلت وحيدة .. أسير بين الطرقات شريدة .. بحثا عن أحلام جديدة ***********
موضوع: أحلام المطر .. قصة قصيرة 
