بندول الساعة
في
سكون الليل الدامس ولا صوت غير همس الصمت هبت من نومها وقلبها كاد أن
يتجمد فشعرت و كأنه قلب بارد درجته تحت الصفر فقالت لنفسها تحدثها وكأنها
تطمئنها: إنه برد الشتاء، وقامت من فراشها الدافئ الذي لم تصل حرارته إلى
قلبها وجلست على كرسي تطل من شرفة غرفتها فرأت السكون يطبق على الكون
وتحولت بنظرها إلى فراشها لتلقي بنظرة حزينة على وسادة وليفها الخالية
وأخذت تبحلق بعينيها في أرجاء الغرفة وكأنها تبحث عن شيء عزيزاً افتقدته.
نعم فهي تفتقد زوجها الذي يرجع بعد أن يقتلها الانتظار الطويل له، وسرعان
ما ذهب بصرها إلى بندول الساعة فأيقنت أنها تعيش الثلث الأخير من الليل
والنوم يجافي جفونها والبرد القاسي قد افترس قلبها وكاد أن يفتك به، وعرفت
أن لا أمل إلا في شروق الشمس التي توحدها من جديد بعودة نصفها، وتمنت لو
تخالف أوامر الطبيعة وتشرق قبل موعدها ليتسرب خيط من خيوطها الدافئة إلى
قلبها فيذيب جبل الجليد الذي تربع في صدرها ولكن ليس كل ما يهفو إليه
القلب يملكه..
فاستسلمت إلى انتظار لا يرحم وهي تنظر بعينيها إلى السماء تتوسل إلى
الخالق ودموع عينيها تروي حدائق لا زهر فيها ولا شجر وكيف ينبت من يسقى
بماء مالح، وتفجرت الذاكرة لتلقي، بين يديها بقسوة زوجها وتركه لها لتقضي
الليالي وحدها فتجمدت أطرافها وأغمضت عينيها وكأنها تريد الهروب من رؤية
الساعة التي تنظر إليها ولكنها فجأة سمعت وكأن صوت بندول الساعة يحدثها
ويقول لها: أنت مثلي تتلفتين يميناً ويساراً ولا تستطيعين الثبات واتخاذ
القرار... حاسبي نفسك واسألي قلبك: لماذا يهرب منك زوجك؟ فنظرت إلى قلبها
حتى يجيب هو... فلم تأت الإجابة لأنه لا يشعر إلا بالألم والعذاب.
وتحدث إليها البندول مرة أخرى معاتباً لها: سيدتي أنت من أطلق طيره للعنان
ثم تحزنين الآن... أين ضحكاتك التي كانت ترن بأذنيه فتملأ المكان؟ لقد سكن
مكانها الشكوى والبكاء، أين حوارك معه ومعسول الكلام؟ لقد كان يفضله على
عصير الرمان.
أتذكرين وداعك له بكلمات الغرام، ولقاءك الباسم المشتاق كاشتياق الربيع
للريحان وألوان ملابسك... سمعته يوماً يقول لك أنت تريدين من بستان وتنتقي
كانتقاء الفنان للألوان، أما عطرك... فكان يميزه ويثني عليه كلما فاح
بالمكان.
وطاولتك كانت تفترش أمامه بأصناف الطعام، وكنت تطعمينه بيديك فيلتمس منك الحنان... أما الآن فلا تعبئين إلا بإطعام الصغار.
وتركته وحده في كل مكان متعللة بوجود الأطفال، ثم تشتكين من الوحدة
الآن... ارجعي إلى سابق عهدك معه... يرجع لك الوصال، وامنحيه الود...
تأخذين منه الاهتمام، فالزوجة سكن إن وجده الزوج دفع ثمنه حباً وعشقاً
وهياماً.
تحيتي